٢٠٠٨-٠٨-٢٢

وقفة تأمل في قصيدة "كم من نبي ها هنا ورسولا

وقفة تأمل في قصيدة "كم من نبي ها هنا ورسولا " للشاعر: منذر أبو حلتم

بقلم : رحاب الخطيب
ألق السلام على القباب وآلها .... واسجد بمسرانا الأسير طويلا
وامسح غبار الهجر عن جنباته ..... واسرج بعتمة ليله قنديلا
واقرئ سلامي للمآذن قد شكت ..... هجر الحمام فليس ثم هديلا

الكلمة مسؤولة عندما تعبر عن صدق مشاعر إنسان فقد وطنا يتمنى لو يلقاه لحظة عناق يبثه طول اشتياق.
حتى السلام لا يستطيع إلقاءه على القباب وآلها فلا يستطيع الوصول إليه ليحييه فقد حرم منه... واسجد بمسرانا الأسير قمة الحزن تجسدت في كونه أسير فالأسر للإنسان وكيف يكون إذا كان الأسير قبلة الإسلام الأولى ...
اسجد أعظم لحظة يحياها الإنسان بين يدي الله الذي اختاره ليكون من أطهر بقاع العالم مباركا له مكانة مميزة عند الله تعالى...
أما غبار الهجر فتعبر عن سنوات أسره التي طالت والعتمة أسدلت ستارها على المكان ليطلب أن يضاء السراج ليعبر عن أمل قادم .
الصور اختلفت والظلام جاثم فأصبح الأقصى وحيدا هذا كله نجده في قصيدة كم من نبي ها هنا ورسولا لنقف مشدوهين من هول ما حصل لأقصانا فلم يحرك فينا ساكنا.
يا أيها الماضون نحو ظلاله .... هذا فؤادي فاجعلوه دليلا
وترفقوا بالسير فوق ترابه .... كم من نبي ها هنا ورسولا

عندما يصبح الفؤاد دليلا لا يعبر إلا عن صدق انتماء وتأجج مشاعر مشتاقة للوطن البعيد مكانا القريب شعورا...(وترفقوا بالسير فوق ترابه) فتراب الوطن المحتل ليس كأي تراب فقد ضم في ثناياه الأنبياء والرسل ومكان إسراء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو الطهارة...
ناجيت أقصانا الجريح أجابني .... صوت المآذن خالط الترتيلا
ولمحت طيف الفاتحين معاتبا .... والأفق رايات تقود صهيلا

والنجوى هنا جاءت لتدل على الهمس فلا مجال للصوت العالي الذي يدل على الفرح فأين الفرح والأقصى جريح يئن إلا أن المآذن خالطت الترتيلا فقد توحدت في فلسطين الديانتين الإسلامية والمسيحية لتقف أمام من أراد طمس هويتها وإذلالها.
وهنا نتذكر أيام الفاتحين الذين ضحوا من أجل تحرير بيت المقدس مسرى النبي وجسره نحو العلا
مسرى النبي وهل يعاند جاهل؟ .... درب السماء وحبلها الموصولا
مسرى النبي وجسره نحو العلا .... معراجه نحو السماء سبيلا
يا ثالث الحرمين هذا خافقي .... يهوي إليك معانقا مذهولا

في أكثر من موضع يؤكد شاعرنا (مسرى النبي) فهل من مجيب إن لم نقف إجلالا لهذا المكان المقدس الذي اصطفاه الله تعالى ليكون مسرى النبي شئنا أم أبينا، إن كان لدينا تقديس له فقد قدسه الله تعالى وجعله من أفضل البقاع وباركه وبارك حوله.
يا ثالث الحرمين هذا خافقي .... يهوي إليك معانقا مذهولا
القبلة الأولى أجل مكانة .... . أنعم بها وأنعم بذاك جميلا

الله تعالى قدسه بأن جعله ثالث الحرمين المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه السلام مكانة وقدرا وهو القبلة الأولى ليذكرنا دائما خمس مرات في اليوم حين توجهنا للصلاة بأن قبلتنا الأولى تئن مصابرة.
المسجد الأقصى يئن مصابرا .... . هيهات يسقط أو يموت ذليلا
والمنبر المحروق يصغي حائرا .... والصمت أضحى في المدى مقتولا

والمسجد الأقصى يئن وهي أقصى درجات الألم إلا أنه مصابر لأنه الإباء فلا مكان لذل في جنباته رغم القهر والألم الجاثم فوق صدره إلا أنه هيهات يسقط أو يموت ذليلا.
سيظل صوت الصامدين مزلزلا ..... وكر الطغاة بعزمه ليزولا
سيظل رغم الأسر طودا شامخا ..... سيظل نورا واحة وظليلا
لن يهزم التاريخ غربان أتوا ...... لا لن يسيطر باطل ليصولا

التأكيد على حقيقة لا بد حاصلة درب من الشموخ والأنفة لن تهزها الأيام ولا مواقف الآخرين والفجر لا بد آت ليبدد عتمة وظلمة خيمت على الأقصى ... فالكلام المعسول البراق الذي لم نأخذ منه سوى الأحلام لن يحقق ويغير الواقع بل نور الحق الناصع الذي سيشرق رغم ألم القهر والأسر فلن يظل حسامنا مشلولا... وتأكيد عودة أقصانا يؤكده شاعرنا استنادا لما جاء بكتابنا والذي لن يأتي إلا بعزمنا وإرادتنا لنغير مجد كرامة العرب من جديد.
والفجر يهزم عتم ليل حالك ...... يمضي كئيبا باردا وثقيلا
لن يرجع الأقصى الأسير صحائف ..... تزهو بسحر كلامنا المعسولا
سيظل نور الحق حرا ناصعا ........ لا لن يظل حسامنا مشلولا
سيعود هذا قد أتى بكتابنا ...... وبعزمنا سنحقق التأويلا

والصورة جاءت في القصيدة مبدعة لتعبر عن عمق المعنى وقوة العبارة لتترك أثرا قويا لا يمحي فنتحسس عمق الأسى الذي نحياه على الرغم من ذلك كله نشعر ونعتز بشموخ وإباء وصمود الأقصى رغم محاولات إذلاله إلا أنه يأبى الذل...
التشخيص المائل في صور القصيدة على سبيل الاستعارة المكنية أضفت لمسة الحياة على الأقصى فهو ليس مكانا للعبادة والتقديس فقط بل كل شيء فيه يحس ويشعر ويتصف بصفات الإنسان الكريم الواقف رغم أعاصير الزمن .
أما صورة الأنين الذي عبر عنه شاعرنا فقد جاء الأنين مع الصبر وهذا قمة الصمود رغم شدة الألم.
والغربان صورة قوية لمشاعر الكره والحقد على المعتدي والذي لن يظل طويلا...أما الفجر والأمل رغم عتم الليل تأكيد على الغد المشرق الذي سيأتي لا محالة وهذا أسلوب مميز يميز كتابات وأشعار أديبنا فرغم الضعف والهوان والإستسلام نراه دائما يؤكد على حقيقة الأمل التي تنتشلنا من براثن الحزن والقهر الذي نحياه ليأخذ بيدنا نحو الضياء والحرية فالكتاب (القرآن الكريم) حقيقة تحرر أقصانا إن لم يكن اليوم فسيكون إن شاء الله.
قصيدة قوية بألفاظها المنتقاة بعناية المشاعر والحقيقة الأزلية ، وصور عذبة معبرة عن الحالة التي يحياها الأقصى أنينا وصمودا والأمل الذي نحتاجه ليروي عطشنا للحرية ويأسنا من الواقع المعاش كل ذلك وغيره كثير عبرت عنه قصيدتنا المميزة...
كل التقدير لشاعرنا وللقصيدة التي وضعت أناملها على الوجع لتحيي في ضمائرنا خمولا نعانيه لأولى القبلتين وثالث الحرمين...
وللغالي الذي نفديه بالمهج والذي نتمنى أن نلقاه ونصلي فيه رغم أعاصير الزمن...طودنا الشامخ العظيم المسجد الأقصى ...أجمل السلام .