٢٠٠٦-٠٩-٠٩

قراءة في قصة " وجهي والمدينة " بقلم الناقدة رحاب الخطيب

هذه قراءة نقدية لقصتي " وجهي والمدينة" .. بقلم الأستاذة الناقدة رحاب الخطيب

بعد قراءة قصة وجهي والمدينة للكاتب منذر أبو حلتم ، وما تشكل في عقلي ومخيلتي من تصورات حولها . فقد استطاع الكاتب وبحق أن يعبر عن الواقع الأليم الذي يحياه الإنسان في وقتنا المعاصر من شعور بالغربة حتى وسط الأحبة ، ومن غياب هوية الإنسان ( وجه الإنسان ). شعور بالضيق والحشرجة والملل والبحث عن بصيص أمل والبحث في النهاية عن مخرج.
من الملاحظ أن كاتبنا عمد إلى أسلوب المونولوج ( الصراع الداخلي ) وهذه سمة نجدها جلية في أسلوبه والتي تتطلب وبحق قدرة إبداعية في استخدامها . يقول : ( أخرج مسرعاً .. أسير ببطء مندهشاً .. أقترب من موقف الباصات ..يبدو أنني نمت كثيراً .. أنظر إلى السماء … ) . جاء أسلوبه هذا طبيعياً غير متكلف . أما صوره الفنية فهي قوية معبرة غريبة غير مألوفة في بعضها فهو يصور الصمت بشيء مادي يلف المدينة وشوارعها ( صمت غريب يلف المدينة وشوارعها ) كذلك العطش .. يشبه ارتفاعه في صدره بموجة حر صحراويه لشدته ( عطش شديد يرتفع في صدري كموجة حر صحراوية ) ، كذلك الركود شبهه بشيء رطب يُمزق ( وحدها القادرة على تمزيق هذا الركود الرطب ) ، هذا وفد أعطى للشيء الغريب في قصته عنصر التشخيص فجعله وكأنه إنسان يتنفس في شوارع المدينة .
الدلالات والرموز : جاءت لتعبر عن الحالة النفسية التي عاشها البطل وعانى منها فقد استخدم دلالات عدة لتدل على الضيق والملل والشعور بالحصار من مثل : ( البيت ضيق يكاد يخنقني ) كذلك ( تنبثق صورتها في مخيلتي كوردة تشق صحراء الأسمنت التي تحاصرني ) دلالة على ثقل الحدث على نفسه ، والسقف الرصاصي الممتد من الأفق الى الأفق يعبر عن عدم قدرة البطل على تغيير الواقع المفروض على الجميع وعلى البطل نفسه .
الألوان والحركة : استخدم الكاتب هذا الأسلوب فالسماء لونها رمادي عنده ( لكن السماء بلونها الرمادي تضفي على مشاعري مزيداً من الاغتراب ) و ( الضباب الرمادي ) والحركة في قوله ( لكن صدى صوتي تردده جدران المدينة ثم يخيم الصمت من جديد ) .. فالحركة والألوان لها دلالات تؤكد الحالة النفسية غير المألوفة التي عاشها البطل نتيجة المآسي والآلام الناتجة من اغتراب الإنسان عن واقعه وعن ذاته تبعاً لذلك .
وفي النهاية حاول الكاتب من خلال إصرار بطل القصة أن يتمسك بوجهه وملامحه وأن ينظر حوله باحثاً عن مخرج ، لهذا ذهب راكضاً نحو الجبل باحثاً عن الشمس .. عن التجدد .. عن الحياة …
أما بالنسبة للشكل الفني للقصة من حيث العناصر الفنية :
الزمان : زمان هلامي غير محدد يفهم من خلال النص أنه في العصر الحديث بدلالة ( موقف الباصات ) .
المكان : المدينة
الشخوص : شخصية البطل ( الشخصية الرئيسة ) والإنسان المطلق .
الأحداث : تسلسلت تصاعدياً بشكل سلس شيق إلى أن وصل الكاتب إلى ما يعرف بالعقدة .
العقدة : عندما ذهب بطل القصة لملاقاة المحبوبة ( الأمل ) وفجيعته بأنها فقدت وجهها هي الأخرى .
الحل : ذهاب بطل القصة للجبل في بحثه عن المخرج ورفضه لهذا الواقع الأليم .
من الملاحظ أن الكاتب في هذه القصة وباقي قصص مجموعته ( للبحر وجه آخر ) عمان – 1997 يميل إلى استخدام المونولوج الداخلي والصور الفنية المعبرة والدلالات والرمز ، وعنده حسن تخلص بأسلوب شيق يشد القارئ منذ بدء القصة حتى آخر كلمة فيها …

ليست هناك تعليقات: